سئمت الانتظار"، بهذا العبارة بدأ صابر علام حديثه لـ"موقع سينترا " عن ما أسماه "معاناة طويلة". أكمل صابر، شاب سوداني في الرابعة والثلاثين، دراسة الهندسة منذ سبع سنوات لكنه لم يحصل على عمل لائق. حاول الهجرة بطريقة غير شرعية عبر البحر أكثر من مرة، لكنه كان يصطدم في كل محاولة بعقبة المال. يحتاج صابر أن يعمل لعام أخر دون توقف حتى يوفر ألف دولار، قيمة المبلغ الذي سيدفعه للمهربين.
يتذكر صابر أصدقاءه الذين كانوا يتسكعون معه في طرقات الخرطوم وقرروا تركه وحيدًا ذات يوم والتسلل من خلال شاحنة ضخمة إلى جبل "العوينات"، لكنه لم يسمع عنهم بعد ذلك. تلاشوا هناك في الحدود السودانية الليبية، وهي المنطقة التي يتجمع فيها الأفارقة عادة من دول أثيوبيا وأرتريا والصومال، هربًا من الفقر والبطالة والحروب المشتعلة في بلدانهم.
تستغرق المسافة من شرق السودان، مكان انطلاق المهاجرين الأفارقة، حتى حدود ليبيا حوالي ثلاثة أيام بالسيارة، والمسيرة أطول اعتمادًا على وسائل نقل أخرى، ويغُص الشاطئ الليبي، مكان الوصول، يومياً بعالقين يرغبون في بلوغ "الجنة الأوروبية".
وأقر في السابق ، وزير الداخلية السوداني، بقصور في أجهزة رصد ومتابعة المهاجرين غير الشرعيين، وأشار إلى تسرب حوالي 70 % من اللاجئين بالمعسكرات السودانية، وعبرهم يتم تنشيط عمليات التهريب بواسطة شبكات إجرامية منظمة.
يعتقد صابر أن البقاء في وطنه "غير مجدي" وأنه لن يحصل على مبتغاه مهما حاول، والحل في وطنه "يتمثل في طريق الانحراف"، حسب تعبيره. يقول لـ"الترا صوت" بحزن شديد، "أبحث عن وطن بديل وأعرف جيدًا مخاطر الهجرة غير الشرعية، وما تعرض له الشباب في السابق من مشي لمسافات طويلة في الصحراء وانتهاكات جسدية ومحاولات ابتزاز".
لا تؤدي كل طرق الهجرة غير الشرعية إلى روما. فقد درج الكثير من الأفارقة المغادرين عبر مصر خاصة، على ترتيب إجراءات تهريبهم إلى إسرائيل عن طريق البدو الذين اتخذوا منها تجارة رابحة، إذ يتقاضون نظير الشخص الواحد ما بين 200 إلى 300 دولار إلى أن يصل الحدود الإسرائيلة وأحياناً الحدود التونسية.
تبدأ عادة مغامرة المهاجرين الأفارقة من معسكر "الشجراب" جنوب مدينة "كسلا" الواقعة على حدود السودان الشرقية، ويتجهون إلى شمال السودان عبر طريق صحراوي حتى بلوغ الحدود الليبية. وخلال تلك المسيرة المضنية تتسلم جماعة خبيرة بالطرق المهاجرين وتحصل على نقودها كاملة. وتتكون هذه الجماعات من زعماء عشائر ومهربين كبار.
حسب إحصائيات المركز الأفريقي لحقوق الإنسان ومنظمة الهجرة الدولية فإن أكثر من 300 ألف مهاجر اجتازوا البحر المتوسط باتجاه أوروبا منذ بداية العام 2015. ويشير الدكتور عبد الناصر سلم، مدير المركز الأفريقي لحقوق الانسان بالاتحاد الأوروبي لـ"الترا صوت"، إلى "أن عدد الغرقى من المهاجرين غير الشرعين يتجاوز الأرقام المعلنة".
مؤخرًا، أعلن عن غرق نحو 800 مهاجر خلال النصف الأول من العام الحالي، في المقابل عثرت البحرية الإيطالية على جثث أخرى ما رفع عدد الضحايا إلى نحو 1750 مهاجر، وفق إحصائية منظمة الهجرة الدولية، والتي أشارت إلى أن ذلك يعادل 30 مرة عدد الذين لقوا مصرعهم في البحر خلال الفترة نفسها من العام الماضي.
ويعزو سلم ازدهار الهجرة غير الشرعية "إلى غياب دور الحكومة الليبية واستهانة دول الاتحاد الأوروبي بالمهاجرين الأفارقة، وأيضاً استهانة حكوماتهم بهم".
عن وضعية صابر، يقول سلم: "إنه مثل كثيرين انسدت في وجههم الأبواب، لكنهم يجهلون أن الوضع في أوروبا ليس أفضل بكثير، هذا إن لم تنكفئ بهم المراكب أو يلقوا حتفهم في أنفاق "الدياسبورا" أو يقعوا في يد جماعات إرهابية مسلحة".
ويوضح الدكتور حسن مكي، خبير في شؤون القرن الأفريقي، لـ"الترا صوت": "أن الأوضاع في البلدان الأفريقية محرضة على البحث عن واقع أفضل، إذ يعاني المهاجرون في بلدانهم من الاضطهاد وعدم الاستقرار". ويضيف "وجود مهاجرين غير شرعيين يعني وجود أعباء مالية وإدارية إضافية بالنسبة للأوروبيين، مما يضطر حكومات تلك البلدان إلى إعادة المهاجرين إلى أماكن التجمع الأولى، وبالتالي تضيع كل الأموال التي أنفقوها". ويختلف تعامل الدولة الأوروبية مع ملف المهاجرين غير الشرعيين حسب سياساتها الخارجية وتحالفاتها والوضع الدولي بصفة عامة.
تعليقات
إرسال تعليق